والطائفة الثالثة: غلاة الصوفية القدماء، أما المتأخرون فبعضهم عَلَى هذا المذهب وعبارة الإمام أبي الحسن الأشعري يقول: قدماء النساك، ويقصد طائفة القدماء منهم؛ لأن هَؤُلاءِ كانوا يقولون: إن الله تَعَالَى يَحِلُّ في مخلوقاته -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- أو يتحد بهم وهذا تمثيل وتشبيه، ويزعم أحدهم أنه عانق ربه، أو أنه رآه، أو أنه صافحه إِلَى آخر ما يدل عَلَى أن هَؤُلاءِ ليسو عَلَى ملة الإسلام؛ لأن علماء الملة اتفقوا عَلَى أن من يقول بالحلول أو الإتحاد أو التمثيل أو التشبيه أو أن الله يشبه خلقه بأنه كافر لا شك فيه.
فكانت طائفة من الصوفية ولا تزال تطلق ذلك ولولا خشية الإطالة لفصلنا القول في هذه المسألة، كيف نشأت؟ ولماذا جاءتهم هذه الشبهة في الحلول؟ وكيف أن المتأخرين منهم أمثال عبد الغني النابلسي الذي توفي بعد الألف سنة (1143) وكذلك عبد الكريم الجيلي، وعبد الفتاح الجيلاني وهم متأخرون ولكنهم عَلَى هذه العقيدة الباطلة وذلك ظاهر في قصائدهم كعقيدة ابن الفارض التائية يقول:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا            وما الله إلا راهب في كنيسته
وهذا يعدونه من الأئمة الأقطاب، وله كتاب اسمه: الإِنسَان الكامل ويوجد أعيان بأسمائهم اشتهر عنهم ذلك وهم مقاتل بن سليمان وهذا الله أعلم بنسبة ذلك إليه.
والثاني: هشام بن الحكم الرافضي وهذا تقدم الحديث عنه ضمن الرافضة، والثالث: داود الجواربي نسبة إِلَى الجوارب، وترجمته موجودة في لسان الميزان (2/ 427) والميزان (2/23).
قال الذهبي في الميزان: داود الجواربي رأس في الرفض والتجسيم.
ونقل الذهبي عن الإمام المحدث يزيد بن هارون رَحِمَهُ اللَّهُ أنه كَانَ يقول: الجواربي والمريسى كافران، ثُمَّ قال يزيد بن هارون إنما مثله -أي: داود- مثل طائفة كانوا في سفينة فعبروا جسر واسط فسقطوا في النهر، وكان معهم داود فخرج شيطان من النهر، فقَالَ: أنا داود الجواربي، فنشر هذا الضلال وهذه البدع.
ولما رأوه من بعد ما وقعت له هذه الواقعة -سقوطه في النهر- أصبح يهذي بهذه الأقوال الضالة فَيَقُولُ: إن ربه ومعبوده جسم وجثة وأعضاء إِلَى آخر ما ذكره عنه العلماء.
وممن ذكر عنه ذلك ابن حزم في الملل والنحل، وكذلك البغدادي في الفرق بين الفرق وذكره في مقالات الإسلاميين وفي اللسان والميزان، ونقلوا عنه هذا المذهب الخبيث تَعَالَى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.